الليلة ظلماء ، دامية في غزة ،طائرات حربية تحلّق في السماء و تشنّ غارات على
أحياء جديدة يقول وائل الدحدوح و “الزلمة” يقفز على ألمه ويراوغ الموت في عرينه بشجاعة نادرة.
المشهد في غزة سريالي بامتياز كأنه فصل من رواية درامية كتبت بالدم و الدموع.
عنيفة هي الاشتباكات على الارض، مرعب هو القصف من البحر ، مهولة تلك الاشياء النازلة من السماء تومض لحظة لتخيّم العتمة من جديد على المكان.
فالظلام دامس بعد قطع الكهرباء ، العزلة رهيبة بعد بتر الاتصالات و تحطيم كوابل الشبكة العنكبوتية ، وعائلات الضحايا يتعذّر عليها الاتصال بطواقم الاسعاف للقدوم بسرعة الى الأحياء المنكوبة .
الجوع حاضر منذ أيام و العطش، الاصوات الهادرة لقذائف المدفعية تهزّ أركان الروح و تقصم شرايين الحياة ، الخوف، لا ليس الخوف بل الرعب و شبح الموت الحاضر في كل ركن و زاوية يتعنّت بالتنكيل بما تبقى من أعصاب سليمة.
وكيف لا تبلغ القلوب الحناجر و أهوال حرب ابادة جارية ؟
ياربّ قَصٍّر من عمر هذه الليلة العصيبة و عجّل ببزوغ الفجر فوحدك العليم بما يعانيه عيالك في غزة.
الفجر ؟
نخاف ان ينبلج داميا متشحا بالأحمر.
نخاف طوارق الليل يارب على عبادك الطيبين هناك و نخاف عليهم الفجر أن يبزغ على حصادٍ تشيب له من جديد رؤوس الولدان.
يا رب قلوبنا تئنّ و نحن نقتفي آثار المراسلين لحظة بعد لحظة و ننتظر ما تجود به علينا حناجرهم و هم على خط النار.
غزة تحترق يارب
غزة تموت وحدها في العتمة يا ربّ الارباب .
غزة تدمّر و أهلها يعطون الموت بالجملة في الظلام المدلهمّ دون رقيب و لا حسيب فهي اليتيمة في مأدبة اللئام.
غزة من يواليها من غير جنودك يا رب ؟
حتى محيط المستشفى الاندونيسي و مستشفى الشفاء يتعرضان للقصف الليلة .
حتى المستشفيات التي تحاول انقاذ الحياة تُعطى الموت بلا هوادة.
الناس يحملون موتاهم و جرحاهم بما تيسّر و سيارات الاسعاف لا تجرؤ على الخروج في هذه الليلة الخطيرة الشديدة الظلام التي يزيدها تحليق طائرات اف 16 رعبا في النفس و ظلمة حتى أخمص الفؤاد.
وميض القنابل مستمر في شمال القطاع و أصوات القذائف تخبو فترة ثم تعود هادرة من جديد.
مليون طفل يرتعب من هدير الحرب الليلة، مليون طفل جائع ، ظامئ ، مُسهد يرقبه الموت من قريب أو يتوعّده الألم و اليتم والحرمان بعد حين.
كم منهم مرشحون للموت هذه الليلة أيضا؟ .
فوحده الموت يجول في كل مكان ، موت جنوني أهوج.
فغزّة وليمة للموت و ضيوفها هتشكوكيون بامتياز.
فلا شيء في غزة الليلة غير الحرب و الخراب، حرب شعواء بين طرفين غير متناظرين ،غير متكافئين ، حرب هجينة جمعت فيها آليات ، معدات وتقنيات آخر ما أبدعته عبقرية العلم و التكنولوجيا في مجال الشر ، في قتل الانسان.
وحده الانسان دون جميع الحيوانات عدو لبني سلالته.
وحده الانسان يوغل في التنكر لانسانيته .
و يستمر الظلام و الجحيم وركح غزة مفتوح على مشهد جنائزي يحكي للاجيال ضياع هذا الانسان.
اللهم اجعل هذه النيران بردا و سلاما على من ليس لهم غير رحمتك و عونك كما جعلت النار بردا و سلاما على نبيك ابراهيم .. ✍