الرئيسية قلم رشاش في لحظة ما قد يتغيّر كل شيء

في لحظة ما قد يتغيّر كل شيء

بقلم وهيبة جموعي
A+A-
إعادة

الذين يظنون أنّ الأرض تحت أقدامهم هامدة لا تتزلزل والسماء فوق رؤوسهم صافية لا تتلبّد وأنّ الزمن يسير عندهم وفق دالة ثابتة مخطئون…

الذين يعتقدون أنهم خالدون، مخلّدون في عمل حصلوا عليه بطريقة أو بأخرى أو وظيفة أو منصب اختاروه أو اختارهم أو اختير لهم مخطئون…

الذين يفرحون بأنهم باقون أبد الدهر مع نفس الشريك سواء في "البزنس" أو في العائلة التي كوّنوها سواء عن حبّ أو اتفاق مخطئون…

الذين يأملون في أنّ أولادهم الذين عرفوهم صغارا وقرّت أعينهم بهم سيظلون هم أنفسهم حين يكبرون ويكونون مصدر رضى وسعادة لهم مخطئون…

الذين يؤمنون أنّ الشباب باقٍ و الصحة دائمة و الجمال أزلي والحياة مزدهرة ما دخل صدورهم نفسٌ و رأت عيونهم نورا ، أو الذين يظنون العكس أنّ الحياة نكدٌ مستمرٌّ و غبنُ دائم و دموع تسيل و أن لا أمل في فجر سيبزغ بعد حين مخطئون كذلك …

كل هؤلاء وأولئك مخطئون…

لا حاجة لنا لدراسة نظرية النسبية عند "اينشتاين" لنعرف أنه في لحظة ما كلمح البصر قد يتغير كل شيء من النقيض الى النقيض وتعود الحال غير الحال. قد يسقط المرتفع ويعلو من كان جالسا على الحصير، قد يطير المُقعَد ويقعُد الذي خال نفسه نسرًا ملكيًّا كل الأجواء ملك جناحيه، قد ينجح من اكتوى بنار الفشل وقد ينهار من ظن نفسه متربعا أبد الآبدين على سدّة النجاح في أعماله أو حياته.

لا شيء ثابت …

في نقطة ما لم تكن في الحسبان يميل المنحنى ويتعرّج وقد يتقاطع مع نقطة العدم. في غمضة عين قد تفقد مصدر رزقك أو زوجك الذي تحب أو أولادك الذين اعتدت أن يقبّلوا يدك أو جبينك أو رفيقك الذي تعتبره ذراعك الأيمن في مشاريعك.

في رمشة عين قد ينقلب عليك الجميع و يتركوك حطاما، مريضا أو وحيدا كدبّ قطبي جائع يلهث عبر مساحات شاسعة من الصقيع . فالخيانة أو الطلاق أو العزل من المنصب أو الرحيل أو الغربة أو أي نائبة من نوائب الدهر شيء أقرب الينا من حبل الوريد فهي أمور تداهمنا ، تدهسنا ، تقرع رؤوسنا ، تطيح بأعتانا دون سابق انذار .

فجأة قد تصبح ذات يوم أعزل لا تملك غير نفسك وتساؤلاتها وانكساراتها وكومة ذكريات قد لا تعود حتى اليها خوفا من الألم الوجيع. نفس تنتظر منك أن ترمّمها برفق، أن ترأب صدوعها بحذق، ان لا تجلدها بلا هوادة وتتنكّر لها بحمق. لكن السؤال الذي قد يجابهك: هل كوّنت فيما مضى من زمانك رصيدا كافيا يمدّك بأسلحة الدفاع الذاتي وبأدوات التطبيب التي تمكّنك من اتّقاء الضربات التي تتلقاها وقد تكون موجعة والنكسات التي تتعرّض لها وقد تكون مميتة ومداواة الجراح المفتوحة التي قد تكون عميقة لاسيما حين لا يكفّ الآخرون عن نثر الملح عليها؟ هل أنت تقيم على أرض صلبة من المبادئ القوية والقيم الرصينة والصلابة النفسية التي تتيح لك الوقوف مرة أخرى أو على الأقل تقليص الخسائر ومواصلة العيش بدون السقوط في فخّ الاكتئاب المدمّر؟ هل تملك مقوّمات النهوض مرة أخرى؟ تلك هي المسألة.

في المقابل و هو شيء لا يحدث بنفس الوتيرة السابقة لأن مكابدة الدنيا هي الحالة السائدة "لقد خلقنا الانسان في كبد" قد يحدث العكس و يكون التغيير نحو الأحسن و الأفضل،  فهناك من كانوا في القاع أو على الرّف أو على هامش الحياة يندبون حظا تعيسا و زمنا أغبر و فجأة تبدّلت الأمور و تحسنت الظروف ليجدوا أنفسهم في نقطة ما من تاريخهم و كأنّ أبواب القدر انفتحت لهم على مصراعيها امّا على المستوى الاجتماعي أو المهني أو المالي أو غير ذلك ممّا كانت تهفو اليه أفئدتهم و ما كانوا يستطيعون اليه سبيلا، فأوتوا فرصتهم في الحياة الدنيا و شغلوا مناصب هامة أو حصلوا على رأسمال ما فتئ يتضخّم أو نالوا حظا من شريك حياة كان في أحلام يقظتهم الخفية أو رزقوا بأطفال بعد طول انتظار قادهم الى اليأس و القنوط.

لا شيء ثابت اذن …كل شيء متحوّل، كل شيء يتغير فالحياة بحر رجراج ونحن فوق أمواجه محكومون بالعيش وفق غيب لا نعلمه ومجاهيل لا ندركها.

و في الحكايا المتناقلة أنّ ملكًا طلب من أحد الحكماء أن يمدّه بعبارة ينقشها على خاتمه فاذا نظر اليه و هو في حالة فرح ابتأس و اذا نظر اليه و هو في حالة حزن ابتهج ، فقال الحكيم بعد تفكير: انقش عليه يا مولاي هذه العبارة "هذه اللحظة ستمضي"!

نعم لا فرح يدوم ولا حزن يستديم …كل شيء صار ويصير"لتركبنّ طبق عن طبق"

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

قد يعجبك أيضا

أترك تعليقا