119 عام آخر يمرّ و الأمة العربية في سباتها الشتوي العميق الذي طال كل الفصول و كأنها اخذت منوما قويا لا يبدو معه أنها ستستفيق بعد حين.و استباح جسدها المغتصبون الكبار بمباركة المتواطئين الصغار و قد سوّلت لهم أنفسهم أن يلعبوا على درجات الغباء و الحمق الذي ركبها منذ خروج بني الاحمر مذلولين من غرناطة لاقناعها بضرورة التصفيق لهذا الفعل المخلّ بالحياء و بالحياة ، المعتدي على نواميس الكون ، الخارق للمواثيق الدولية، الجارح للكرامة الانسانية فاذا هم يدوسون بنعالهم على كل المبادئ و القيم التي تقوم عليها الحضارات و التي أسّست عندهم للدولة الحديثة و يتكالبون عليها كما فعلوا في الماضي بل يتصارعون و يتآمرون مستمرين في التخطيط و التدبير للتنكيل بهذا الجسد المريض و تمزيقه أشلاء يمكن ابتلاعها بسهولة .لا توازن ، لا استقرار ، لا نهضة على رقعة هذا العالم العربي العامر بالبركة و قد حباه الله بخيرات و ثروات و موقع أخّاذ و جعل فيه امة قال فيها عزّ و جلّ “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله” هكذا قُرّر لنا. كنتم …نعم كنا …كنا حين كان الانسان ههنا يؤمن بأنه خليفة الله في الارض و عيب عليه أن تكون صورة هذا الخليفة رديئة و منحطة و … و يمكن ان نختصر كل الصفات الاخرى بأنه مجرد مسخ دونه كل النعوت.عام آخر يمضي تقدمت فيه أمم حققت شروط نهضتها و تأخرت اخرى أضاعت سبيلها و ضيّعت حتى ما كان لها ، بل اراقت بعضها حتى ماء وجهها و هي تلهث عمياء وراء شيء لا ندريه و لا هي تدري الى أين سيقودها .عام آخر ينفلت من عقد الزمن و الارض تئن تحت وطأة البشاعات التي تمارس ضدها كأنها ليست بيت البشر الذي يجب ان يكون آمنا ، دافئا و ساكنا و انما عدوّ لدود يجب استنزافه ،انهاكه ثم الاتيان عليه، و الشعوب تصرخ في كل مكان ضد ما يراد بها و لا من مجيب و قد أزاح جُسيم مجهري ورقة التوت عن وجوه بعض الناس فاذا هي لا تمت لآدم بصلة . و لأن هذه الوجوه ليست آدمية الاّ بالمسميات فهي لم و لن تكون رحيمة بالضعفاء في أي شبر من الكرة الارضية ، و الاكيد أنها لن تتوانى في الدوس على كل من تسوّل له نفسه الوقوف ضد مطمحها في اعادة رسم خريطة العالم العربي و الاسلامي و تمريغ شعوبها في التراب و الله وحده يعلم ما ينتظرهم من مصير حينذاك. اللهم لا تغفر لتلك الايادي التي اغتالت و لازالت أحلامنا في نهضة الامة من المحيط الى الخليج و حشرتنا في تلك الزاوية التي قال فيها نزار قباني قصيدته المشهورة التي أحرج الكثير بالقائها في تونس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة و الثلاثين لتأسيس الجامعة العربيّة :يا تونس الخضراء جئتك عاشقا // وعلى جبيني وردة وكتابإنّي الدّمشقيّ الذي احترف الهوى // فاخضوضرت لغنائه الأعشابُأحرقت من خلفي جميع مراكبي // إنّ الهوى أن لا يكون إيابأحببتهنّ وهنّ ما أحببني // وصدقتهنّ ووعدهنّ كذابإنّي لأشعر بالدّوار فناهد // لي يطمئن وناهد يرتابهل دولة الحبّ التي أسّستها // سقطت عليّ وسدّت الأبواب؟ماذا جرى لممالكي وبيارقي // أدعو رباب فلا تجيب رباب؟أأحاسب امرأة على نسيانها// ومتى استقام مع النّساء حساب؟بدأ الزّفاف فمن تكون مضيفتي؟ // هذا المساء ومن هو العرّاب ؟أأنا مغنّي القصر يا قرطاجة؟ // كيف الحضور وما عليّ ثياب؟ماذا أقول فمن يفتّش عن فمي// والمفردات حجارة وترابفمآدب عربيّة وقصائد // همزيّة ووسائد وحبابمن أين يأتي الشّعر يا قرطاجة// والله حيّ وعادت الأنصابمن أين يأتي الشّعر حين نهارنا// قمع وحين مساؤنا إرهابسرقوا أصابعنا وعطر حروفنا // فبأيّ شيء يكتب الكتّاب ؟والحكم شرطيّ يسير وراءنا// سرّا فنكهة خبزنا استجوابالشّعر رغم سياطهم وسجونهم // ملك وهم في بابه حجابمن أين أدخل في القصيدة يا ترى // وحدائق الشّعر الجميل خرابلم يبق في دار البلابل بلبل// لا البحتريّ هنا ولا زريابشعراء هذا اليوم جنس ثالث // فالقول فوضى والكلام ضبابيتكلّمون مع الفراغ فما هم // عجم إذا نطقوا ولا أعراباللاّهثون على هوامش عمرنا // سيّان إن حضروا وإن هم غابوامن أين أدخل في القصيدة يا ترى // والشّمس فوق رؤوسنا سردابإنّ القصيدة ليس ما كتبت يدي // لكنّها ما تكتب الأهدابنار الكتابة أحرقت أعمارنا // فحياتنا الكبريت والأحطابما الشّعر؟ ما وجع الكتابة؟ ما الرّؤى // أولى ضحايانا هم الكتّابيعطوننا الفرح الجميل وحظّهم// حظّ البغايا ما لهنّ ثوابيا تونس الخضراء هذا عالم … يثرى به الأمّيّ والنّصّابفمن الخليج إلى المحيط قبائل// بطرت فلا فكر ولا آدابفي عصر زيت الكاز يطلب شاعر // ثوبا وترفل بالحرير قحاب!!!هل في العيون التّونسيّة شاطئ// ترتاح فوق رماله الأعصابأنا يا صديقة متعب بعروبتي // فهل العروبة لعنة وعقابأمشي على ورق الخريطة خائفا// فعلى الخريطة كلّنا أغرابأتكلّم الفصحى أمام عشيرتي// وأعيد لكن ما هناك جوابلولا العباءات التي التفّوا بها // ما كنت أحسب أنّهم أعرابيتقاتلون على بقايا تمرة// فخناجر مرفوعة وحرابقبلاتهم عربيّة من ذا رأى // فيما رأى قبلا لها أنيابيا تونس الخضراء كأسي علقم // أَعَلى الهزيمة تشرب الأنخاب؟وخريطة الوطن الكبير فضيحة // فحواجز ومخافر وكلابوالعالم العربيّ إمّا نعجة // مذبوحة أو حاكم قصّابوالعالم العربيّ يرهن سيفه// فحكاية الشّرف الرّفيع سرابوالعالم العربيّ يخزن نفطه // في خصيتيه وربّك الوهّابوالنّاس قبل النّفط أو من بعده// مستنزفون فسادة ودوابّماتت خيول بني أميّة كلّها // خجلا وظلّ الصّرف والإعرابفكأنّما كتب التّراث خرافة // كبرى فلا عمر ولا خطّابوبيارق ابن العاص تمسح دمعها // وعزيز مصر بالفصام مصابمن ذا يصدّق أنّ مصر تهوّدت// فمقام سيّدنا الحسين يبابما هذه مصر فانّ صلاتها // عبريّة وإمامها كذّابما هذه مصر فانّ سماءها // صغرت وانّ نساءها أسلابإن جاء كافور فكم من حاكم // قهر الشّعوب وتاجه قبقاببحريّة العينين يا قرطاجة // شاخ الزّمان وأنتِ بعد شبابهل لي بعرض البحر نصف جزيرة // أم أنّ حبّي التّونسيّ سرابأنا متعب ودفاتري تعبت معي// هل للدّفاتر يا ترى أعصاب؟حزني بنفسجة يبلّلها النّدى // وضفاف جرحي روضة معشابلا تعذليني إن كشفت مواجعي // وجه الحقيقة ما عليه نقابإنّ الجنون وراء نصف قصائدي// أوليس في بعض الجنون صواب؟فإذا صرخت بوجه من أحببتهم // فلكي يعيش الحبّ والأحبابوإذا قسوت على العروبة مرّة // فلقد تضيق بكحلها الأهدابفلربما تجد العروبة نفسها// ويضئ في قلب الظّلام شهابولقد تطير مع العقال حمامة // ومن العباءة تطلع الأعشابقرطاجة قرطاجة قرطاجة// هل لي لصدرك رجعة ومتابلا تغضبي منّي إذا غلب الهوى// إنّ الهوى في طبعه غلاّبفذنوب شعري كلّها مغفورة // والله جلّ جلاله التّوّاب و ان كنا ندعو الله أن يغفر لنزار قباني ذنوبه و ذنوب شعره فاننا بالتأكيد نستنصره على من جعلوا العالم العربي و الاسلامي غنيمة لخفافيش الظلام و مصّاصي الدماء وهو ارض الرسالات و الفتوحات و ارض الحضارات العريقة و الآداب المعتقة و العلوم التي شهد لها بعض المستشرقين بقولهم “شمس العرب تسطع على الغرب” حين كان العرب يرتعون في قلب اروبا و قد عمروا الاندلس و اوقفوا الدنيا و لم يقعدوها علما و فنا و فلسفة و حضارة، حين لم يصبحوا بعد ملوك طوائف و تدور عليهم الدوائر.يقولون ان التاريخ يعيد نفسه …ربنا انك تعلم ما في نفوس الاخيار من عبادك فأوقف عجلة التاريخ قبل أن تدوسهم فان العزة و القوة لك وحدك و الكل على هذه الارض تراب مهما ظنوا الظنون.ّ 0 تعليقات 0 FacebookTwitterPinterestEmail حساب الكاتب منشورات الكاتب رجال رائعون حقا! كتّاب منّا لكن علينا انتهى الدرس يا غبي انهم يدنّسون بيوت الله كيف يموت السنواريون يحي السنوار : شهادة كاتب اسرائيلي وهيبة جموعي المنشور السّابق من هواجس نملة على شرفة العالم المنشور التّالي الشيخ و …الكتاب قد يعجبك أيضا لا تؤخر موعدك مع الله 2023-03-14 ايزابيل ابرهارت و رحلة الحب و الجنون 2022-01-05 الشيخ و …الكتاب 2022-01-04 سنذهب جميع الى الجنة 2021-12-31 جيجل… عودة الحياة! 2021-12-02 جيجل !…من سدرة المنتهى 2021-12-02 أترك تعليقا إلغاء التعليق احفظ اسمي وبريدي الإلكتروني وموقعي في هذا المتصفح للمرة القادمة التي أعلق فيها. Δ