132 عام آخر يمرّ و الأمة العربية في سباتها الشتوي العميق الذي طال كل الفصول و كأنها اخذت منوما قويا لا يبدو معه أنها ستستفيق بعد حين.و استباح جسدها المغتصبون الكبار بمباركة المتواطئين الصغار و قد سوّلت لهم أنفسهم أن يلعبوا على درجات الغباء و الحمق الذي ركبها منذ خروج بني الاحمر مذلولين من غرناطة لاقناعها بضرورة التصفيق لهذا الفعل المخلّ بالحياء و بالحياة ، المعتدي على نواميس الكون ، الخارق للمواثيق الدولية، الجارح للكرامة الانسانية فاذا هم يدوسون بنعالهم على كل المبادئ و القيم التي تقوم عليها الحضارات و التي أسّست عندهم للدولة الحديثة و يتكالبون عليها كما فعلوا في الماضي بل يتصارعون و يتآمرون مستمرين في التخطيط و التدبير للتنكيل بهذا الجسد المريض و تمزيقه أشلاء يمكن ابتلاعها بسهولة .لا توازن ، لا استقرار ، لا نهضة على رقعة هذا العالم العربي العامر بالبركة و قد حباه الله بخيرات و ثروات و موقع أخّاذ و جعل فيه امة قال فيها عزّ و جلّ “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله” هكذا قُرّر لنا. كنتم …نعم كنا …كنا حين كان الانسان ههنا يؤمن بأنه خليفة الله في الارض و عيب عليه أن تكون صورة هذا الخليفة رديئة و منحطة و … و يمكن ان نختصر كل الصفات الاخرى بأنه مجرد مسخ دونه كل النعوت.عام آخر يمضي تقدمت فيه أمم حققت شروط نهضتها و تأخرت اخرى أضاعت سبيلها و ضيّعت حتى ما كان لها ، بل اراقت بعضها حتى ماء وجهها و هي تلهث عمياء وراء شيء لا ندريه و لا هي تدري الى أين سيقودها .عام آخر ينفلت من عقد الزمن و الارض تئن تحت وطأة البشاعات التي تمارس ضدها كأنها ليست بيت البشر الذي يجب ان يكون آمنا ، دافئا و ساكنا و انما عدوّ لدود يجب استنزافه ،انهاكه ثم الاتيان عليه، و الشعوب تصرخ في كل مكان ضد ما يراد بها و لا من مجيب و قد أزاح جُسيم مجهري ورقة التوت عن وجوه بعض الناس فاذا هي لا تمت لآدم بصلة . و لأن هذه الوجوه ليست آدمية الاّ بالمسميات فهي لم و لن تكون رحيمة بالضعفاء في أي شبر من الكرة الارضية ، و الاكيد أنها لن تتوانى في الدوس على كل من تسوّل له نفسه الوقوف ضد مطمحها في اعادة رسم خريطة العالم العربي و الاسلامي و تمريغ شعوبها في التراب و الله وحده يعلم ما ينتظرهم من مصير حينذاك. اللهم لا تغفر لتلك الايادي التي اغتالت و لازالت أحلامنا في نهضة الامة من المحيط الى الخليج و حشرتنا في تلك الزاوية التي قال فيها نزار قباني قصيدته المشهورة التي أحرج الكثير بالقائها في تونس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة و الثلاثين لتأسيس الجامعة العربيّة :يا تونس الخضراء جئتك عاشقا // وعلى جبيني وردة وكتابإنّي الدّمشقيّ الذي احترف الهوى // فاخضوضرت لغنائه الأعشابُأحرقت من خلفي جميع مراكبي // إنّ الهوى أن لا يكون إيابأحببتهنّ وهنّ ما أحببني // وصدقتهنّ ووعدهنّ كذابإنّي لأشعر بالدّوار فناهد // لي يطمئن وناهد يرتابهل دولة الحبّ التي أسّستها // سقطت عليّ وسدّت الأبواب؟ماذا جرى لممالكي وبيارقي // أدعو رباب فلا تجيب رباب؟أأحاسب امرأة على نسيانها// ومتى استقام مع النّساء حساب؟بدأ الزّفاف فمن تكون مضيفتي؟ // هذا المساء ومن هو العرّاب ؟أأنا مغنّي القصر يا قرطاجة؟ // كيف الحضور وما عليّ ثياب؟ماذا أقول فمن يفتّش عن فمي// والمفردات حجارة وترابفمآدب عربيّة وقصائد // همزيّة ووسائد وحبابمن أين يأتي الشّعر يا قرطاجة// والله حيّ وعادت الأنصابمن أين يأتي الشّعر حين نهارنا// قمع وحين مساؤنا إرهابسرقوا أصابعنا وعطر حروفنا // فبأيّ شيء يكتب الكتّاب ؟والحكم شرطيّ يسير وراءنا// سرّا فنكهة خبزنا استجوابالشّعر رغم سياطهم وسجونهم // ملك وهم في بابه حجابمن أين أدخل في القصيدة يا ترى // وحدائق الشّعر الجميل خرابلم يبق في دار البلابل بلبل// لا البحتريّ هنا ولا زريابشعراء هذا اليوم جنس ثالث // فالقول فوضى والكلام ضبابيتكلّمون مع الفراغ فما هم // عجم إذا نطقوا ولا أعراباللاّهثون على هوامش عمرنا // سيّان إن حضروا وإن هم غابوامن أين أدخل في القصيدة يا ترى // والشّمس فوق رؤوسنا سردابإنّ القصيدة ليس ما كتبت يدي // لكنّها ما تكتب الأهدابنار الكتابة أحرقت أعمارنا // فحياتنا الكبريت والأحطابما الشّعر؟ ما وجع الكتابة؟ ما الرّؤى // أولى ضحايانا هم الكتّابيعطوننا الفرح الجميل وحظّهم// حظّ البغايا ما لهنّ ثوابيا تونس الخضراء هذا عالم … يثرى به الأمّيّ والنّصّابفمن الخليج إلى المحيط قبائل// بطرت فلا فكر ولا آدابفي عصر زيت الكاز يطلب شاعر // ثوبا وترفل بالحرير قحاب!!!هل في العيون التّونسيّة شاطئ// ترتاح فوق رماله الأعصابأنا يا صديقة متعب بعروبتي // فهل العروبة لعنة وعقابأمشي على ورق الخريطة خائفا// فعلى الخريطة كلّنا أغرابأتكلّم الفصحى أمام عشيرتي// وأعيد لكن ما هناك جوابلولا العباءات التي التفّوا بها // ما كنت أحسب أنّهم أعرابيتقاتلون على بقايا تمرة// فخناجر مرفوعة وحرابقبلاتهم عربيّة من ذا رأى // فيما رأى قبلا لها أنيابيا تونس الخضراء كأسي علقم // أَعَلى الهزيمة تشرب الأنخاب؟وخريطة الوطن الكبير فضيحة // فحواجز ومخافر وكلابوالعالم العربيّ إمّا نعجة // مذبوحة أو حاكم قصّابوالعالم العربيّ يرهن سيفه// فحكاية الشّرف الرّفيع سرابوالعالم العربيّ يخزن نفطه // في خصيتيه وربّك الوهّابوالنّاس قبل النّفط أو من بعده// مستنزفون فسادة ودوابّماتت خيول بني أميّة كلّها // خجلا وظلّ الصّرف والإعرابفكأنّما كتب التّراث خرافة // كبرى فلا عمر ولا خطّابوبيارق ابن العاص تمسح دمعها // وعزيز مصر بالفصام مصابمن ذا يصدّق أنّ مصر تهوّدت// فمقام سيّدنا الحسين يبابما هذه مصر فانّ صلاتها // عبريّة وإمامها كذّابما هذه مصر فانّ سماءها // صغرت وانّ نساءها أسلابإن جاء كافور فكم من حاكم // قهر الشّعوب وتاجه قبقاببحريّة العينين يا قرطاجة // شاخ الزّمان وأنتِ بعد شبابهل لي بعرض البحر نصف جزيرة // أم أنّ حبّي التّونسيّ سرابأنا متعب ودفاتري تعبت معي// هل للدّفاتر يا ترى أعصاب؟حزني بنفسجة يبلّلها النّدى // وضفاف جرحي روضة معشابلا تعذليني إن كشفت مواجعي // وجه الحقيقة ما عليه نقابإنّ الجنون وراء نصف قصائدي// أوليس في بعض الجنون صواب؟فإذا صرخت بوجه من أحببتهم // فلكي يعيش الحبّ والأحبابوإذا قسوت على العروبة مرّة // فلقد تضيق بكحلها الأهدابفلربما تجد العروبة نفسها// ويضئ في قلب الظّلام شهابولقد تطير مع العقال حمامة // ومن العباءة تطلع الأعشابقرطاجة قرطاجة قرطاجة// هل لي لصدرك رجعة ومتابلا تغضبي منّي إذا غلب الهوى// إنّ الهوى في طبعه غلاّبفذنوب شعري كلّها مغفورة // والله جلّ جلاله التّوّاب و ان كنا ندعو الله أن يغفر لنزار قباني ذنوبه و ذنوب شعره فاننا بالتأكيد نستنصره على من جعلوا العالم العربي و الاسلامي غنيمة لخفافيش الظلام و مصّاصي الدماء وهو ارض الرسالات و الفتوحات و ارض الحضارات العريقة و الآداب المعتقة و العلوم التي شهد لها بعض المستشرقين بقولهم “شمس العرب تسطع على الغرب” حين كان العرب يرتعون في قلب اروبا و قد عمروا الاندلس و اوقفوا الدنيا و لم يقعدوها علما و فنا و فلسفة و حضارة، حين لم يصبحوا بعد ملوك طوائف و تدور عليهم الدوائر.يقولون ان التاريخ يعيد نفسه …ربنا انك تعلم ما في نفوس الاخيار من عبادك فأوقف عجلة التاريخ قبل أن تدوسهم فان العزة و القوة لك وحدك و الكل على هذه الارض تراب مهما ظنوا الظنون.ّ 0 تعليقات 0 FacebookTwitterPinterestEmail حساب الكاتب منشورات الكاتب ناس وضمائر رجال رائعون حقا! كتّاب منّا لكن علينا انتهى الدرس يا غبي انهم يدنّسون بيوت الله كيف يموت السنواريون وهيبة جموعي المنشور السّابق من هواجس نملة على شرفة العالم المنشور التّالي الشيخ و …الكتاب قد يعجبك أيضا لا تؤخر موعدك مع الله 2023-03-14 ايزابيل ابرهارت و رحلة الحب و الجنون 2022-01-05 الشيخ و …الكتاب 2022-01-04 سنذهب جميع الى الجنة 2021-12-31 جيجل… عودة الحياة! 2021-12-02 جيجل !…من سدرة المنتهى 2021-12-02 أترك تعليقا إلغاء التعليق احفظ اسمي وبريدي الإلكتروني وموقعي في هذا المتصفح للمرة القادمة التي أعلق فيها. Δ